سامي عبد الحميد: تاريخ ذاتي للخشبة العراقيّة

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
12/03/2011 06:00 AM
GMT



«إعلامياً هو بأحسن حال، والرائد دوماً!». لكن حين نسأل أصحاب الخبرة، نكتشف أن المسرح العراقي فقير ينقصه الكثير منذ بدايته. لعل أهمّ ما ينقص الخشبة العراقية منذ نشأتها، إعداد الممثلين وفق الطرق العلمية، إضافةً إلى المناهج التعليمية الصحيحة.
في كتابه «أضواء على الحياة المسرحية في العراق» (دار المدى)، يحاول أستاذ المسرح والمخرج والممثل العراقي سامي عبد الحميد برهنة حقيقة مفادها أنَّ الممثل المسرحي العراقي بنى نفسه بجهود شخصية، معتمداً على موهبته ومتابعاته لحركة المسرح عربياً وعالمياً. هي إذاً شهادة توثيقية تصلنا من عقر دار المسرح العراقي، تضعنا أمام الأسس التي شيّد عليه المسرح في بلاد الرافدين وفق خبرة بَلوَرها عبد الحميد على مدى أكثر من خمسين عاماً في العمل المسرحي. يضعنا المؤلّف أمام نصف قرن من تاريخ الحركة المسرحية العراقية التي تكاد تشمل جلّ تاريخ المسرح العراقي الحديث... لكن وفق رؤيته الشخصية. كان بإمكان هذا الكتاب أن يكون أشدّ تأثيراً وصدقية، لو لم يجعله المؤلف سيرة ذاتية، تنحاز إلى إنجازاته الخاصة ـــــ وإن كانت كثيرة ومهمة في الواقع ـــــ على حساب جهود أساتذة المسرح العراقي ومؤسسيه وإنجازاتهم.
يشرّح عبد الحميد المعضلة الكبرى في تأسيس المسرح العراقي، وهي ضعف إعداد الممثل وفقر المادة التعليمية. يفتتح كتابه فيحدّثنا عن ثلاثة من كبار مؤسسي المسرح العراقي. يكتب عن «أبي المسرح العراقي» حقي الشبلي الذي كان «يدرّس طلابه تقنيات التمثيل، والإلقاء، وفن الماكياج، وعلم الهيئة، وتاريخ المسرح من محاضرات ترجمها عن الفرنسية أو أخذها عن بعض الذين درّسوه، وكانت بأكثرها مكتوبة بخطّ يده. محاضرات لا أتذكّر منها سوى عدد كبير من الأسماء والتواريخ، ممّا له علاقة بتاريخ المسرح من دون تعمّق في التحليل والدراسة». أما عن إبراهيم جلال أستاذ المسرح لسنين عديدة، فيقول: «وعندما حلّ ابراهيم جلال محلّ الشبلي (...) لم يشر إلى نظرية من النظريات وإلى مدرسة من المدارس، بل كان يعتمد في إرشاداته وتوجيهاته على حسّه الفني وخبرته التي اكتسبها من أستاذه ومن الحياة».
ثمّ يصل المؤلف إلى جاسم العبودي: «كان مقتصداً في معلوماته، وشحيحاً في مادّته التي يقدمها للطلبة، ولم يهيئ لهم محاضرات مطبوعة ولم يشر إلى مصدر معيّن». لكن ما مصدر هذه الآراء اللاغية لجهود مؤسسي المسرح العراقي، رغم أن المؤلف كان أحد تلامذتهم؟ الإجابة تبدو واضحة بين صفحات الكتاب حين يكشف المؤلف «يقينه» بشأن نقطة التحوّل التاريخية في مسرح بلاد الرافدين: «يمكن القول إن أول الاتجاهات الواضحة في حركة المسرح العراقي الحديث، كان التزام تعليمات ستانسلافسكي وطريقته التي لم يتعرَّف إليها المسرحيون العراقيون إلا في منتصف الخمسينيات حين نشرت مجلة «السينما» العراقية بين الأعوام 1955 و1957 ترجمة لكتاب دايفيد ماغارشاك «ستانسلافسكي وفنّ المسرح»». وكان المؤلف قد مهّد لهذه النتيجة في بداية كتابه ليشير إلى «فضله» لكونه هو من ترجم الكتاب!
تضمّن «أضواء على الحياة المسرحية في العراق» أربعة فصول امتزج فيها تاريخ المسرح العراقي بتاريخ المسرح العربي، من خلال إشارات عديدة إلى أعمال عربية ـــــ مصرية تحديداً ـــــ تظهر نفساً قومياً يدعو للرجوع إلى التراث. كذلك يتضمن الكتاب مقترحات لبناء مسرح عربي جديد، لكون المسرح العربي «لم يولد ولادة طبيعية بل أُعدّ (مختبرياً)، وما زال يعاني عقدة التخلف لهذا السبب، كما يعاني افتقاره إلى وسائط اتصال حقيقية بجماهيره».
وكثيراً ما يشير المؤلف في كتابه إلى قصور كبير في شكل العلاقة بين المسرح والجمهور. قصور يكمن في تاريخية وجود المسرح ـــــ بحسب عبد الحميد ـــــ خصوصاً أنّ المسرحيين العرب يبذلون جهوداً كبيرة لإيجاد مدرسة مسرحية خاصة بهم، كتلك التي تميز المسرح الإغريقي أو المسرح الياباني مثلاً.
ومن أجل بلوغ المسرح العربي درجة التميز، يقترح عبد الحميد أن يستقي مواضيعه من صميم واقعه. فهو يرى أن «المسرح وسيلة للتعبير عن كفاح الشعوب». ويذهب بعيداً في محاولته تعزيز رؤيته الشخصية: «... بعد مشاهداتي المثيرة لأعمال المخرجين الآخرين والمدرّسين في المعاهد الفنية المتخصصة، وجدت أن هؤلاء، رغم ادعائهم الاعتماد على طريقة ستانسلافسكي في تدريبهم للممثلين (...) يبتعدون عنها بقليل أو كثير. ووجدت أيضاً أن البعض منهم لا يفهم فهماً كاملاً تفاصيل الطريقة وكنهها، ولا يعرفون سوى قشورها».
أما في شأن النص المسرحي العراقي الذي يحمل تاريخاً طويلاً قارب المئة عام، فيرى أنّ هذا النص «ما زال يفتقر إلى الكثير من المقومات التي تجعله بمصاف النصوص الأجنبية». يحمّل المؤلف الكتاب رأيه هذا، رغم أنّه يعي تماماً أنّ كل المهتمين بالمسرح العراقي يعرفون جيداً أن سامي عبد الحميد مغرم بالنص المحلي، وقد أخرج العديد من النصوص المسرحية العراقية.
في الخلاصة، يحتفظ كتاب «أضواء على الحياة المسرحية في العراق» بأهميته الأرشيفية المفيدة للباحث، أكثر من إفادتها لأهل الاختصاص ومنهم المخرج والممثّل.